التكوين وأهم عناصره
مقدمة

يعتبر التكوين من الموضوعات الحيوية في مجال العمل الفني ، وهو تعبير واضح عن شخصية الفنان ومستوى ثقافته وذوقه الجمالي .
والتكوين من حيث التعريف هو ترتيب العناصر المرسومة في كيان متناسق يجعل العين تطوف حول اللوحة بانتظام ولا تثب عشوائياً من جزء إلى آخر فيها.
والواقع أن الرسم كلما ركز إليه الناظر ، وجعل يميز ما فيه من خطوط وأشكال وألوان ، فإنما يدل ذلك على قدرة الفنان على التأليف والإبداع .
يختلف الفنانون في مناهجهم التكوينية ، لكن مهما بلغت اختلافاتهم ، فإنهم يجمعون على نقطه واحدة وهي أن اللوحة ذات التكوين الجيد هي تلك التي تترك لدى المشاهد انطباعا أقوى بموضوعها .
ويستند التكوين إلى مبادئ عديدة فيما يلي أهمها :

1.الوحدة :
يتميز العمل الفني الجيد بوحدة تربط بين أجزائه المختلفة . وهو يظهر من دون هذه الوحدة مفككاً ، وبالتالي يفتقر إلى أهم مبدأ في التكوين .
تتجلى وحدة العمل الفني بالاستخدام المناسب للخط والشكل والكتلة والفراغ ، فضلاً عن الضوء والظل واللون .
الخط هو كل نقطة متحركة تحصر شكلاً مرسوماً بقلم الرصاص ، أو بالريشة والمداد ، أو بالفرشاة واللون ، أو بأي وسيلة أخرى .
ويتشكل الخط مع كل فنان بحسب منهجه ، لذا نجده يثير التأمل والحنين إلى الطفولة مع الرسام السويسري بول كلي (1879-1940) أو يقترن بالبناء الهندسي المجرد مع الرسام الهولندي بيت موندريان (1872-1944).
لقد رسم بول كلي الكثير من اللوحات ، وفي كل لوحة كان الخط المرسوم فوق أرضية متنوعة الألوان حافلاً بالمعاني الرمزية التي تعبر عن قيم جمالية مبنية على التقارب والموازنة والانسجام.
أما موندريان المتأثر بالفن الإسلامي ، فقد اعتمد الخطوط المتقاطعة أفقياً وعمودياً ، التي تحصر بينها أشكالاً ملونة ، مربعة أو مستطيلة ، ليوجد مدرسة فنية جديدة في القرن العشرين .

أمثله على وحدة الشكل ووحدة الفكرة ووحدة الأسلوب
من أعمال الفنان بيت موندريان
وهذه المدرسة سرعان ما أثرت بمذاقها الهندسي المميز ، في أشكال الأجهزة والمباني ، وفي تصميم الصحف والمجلات .
إن المعنى القائم وراء فن موندريان يتركز أساساً في بحثه عن نقاء الشكل من خلال تخفيض وسائل التعبير إلى مجرد رابطة ، والرابطة الأساسية يخلقها خطان مستقيمان يلتقيان عند زاوية قائمة . ولما كان سطح الصورة مساحة فإن التصوير عليها يجب أن يكون أيضاً شكلاً محدداً ، وبالتالي يصبح وسيلة للتعبير عن معنى غير مرتبط لا بالمكان ولا بالزمان بل يتعلق فقط برابطه .
وقد كتب موندريان في العام 1926 م يقول : ( نحن نحتاج إلى جمالية جديدة مبنية على الروابط بين الخطوط والألوان الخالصة . وذلك لان الجمال الخالص لا يتحقق إلا بالروابط الخالصة بين عناصر بنائية خالصة ).
وهكذا يتحول كل شئ في لوحات موندريان إلى توزيع أوركسترا لي للخطوط والألوان من دون أي إشارة إلى الحقيقة الموضوعية . لقد أختصر موندريان هذه الخطوط إلى خطوط أفقيه وأخرى عموديه ، وحصر ألوانه في ثلاث ألوان فقط هي : الأحمر والأصفر والأزرق . أما الخلفيات فقد كانت رمادية أول الأمر ثم تحولت إلى الأزرق الفاتح ، وأصبحت بعد عام 1922 بيضاء على الدوام .
في مجال المقارنة بين بول كلي وبيت موندريان نجدهما يختلفان منهجاً ورؤية ، فالأول يبني رسومه بناء حسياً ، والثاني يبني رسومه بناء عقلانياً . ومع ذلك فإن رسومهم مؤلفة من مجرد خطوط ومساحات لونية .
إن الخطوط في العمل الفني لا تقتصر على ما هو مرئي ، بل إن العين ، أثناء متابعتها أجزاء اللوحة ، تنشئ خطوط اتصال تربط بينها ، ومثل هذه الخطوط الوهمية ، الناشئة عن حركة العين ، ربما تكون أشد تأثيراً من الخطوط المرائية .
يتخذ مسار العين بين أجزاء اللوحة شكلاً مثلثاً ، أو دائرياً ن أو غير ذلك من الأشكال . ويستخدم الفنانون هذه الأشكال بوعي أو بدون وعي ، لتكوين الرسوم ذات التأثير الجمالي السار .
يوحي الشكل المثلث – أو الهرمي – بالثبات الذي تتميز به الجبال الراسخة ، والتي هي في الواقع عبارة عن سلسلة من المثلثات . ويفيد التكوين الهرمي كثيراً في تصوير التجمعات البشرية ، حيث يمكن إبراز الشخصية الهامة من بينها بجعلها أكثر ارتفاعا .
ويستطيع الشكل الدائري – أو البيضوي – أن يحتفظ بانتباه المشاهد ، فالمجموعة المكونة من أشخاص أو أشياء في شكل دائري ، تحمل المشاهد على أن يطوف بنظرة داخلها ولا يشرد خارجها .
أما الأشكال المختلفة لحرف L، فهي توحي بالبعد عن الرسمية . وهي أشكال مرنه تفيد في تكوين المناظر الطبيعية ، حيث يمكن مثلاً تصوير شجرة ترتفع عمودياً ، بالقرب من حافة الصورة ، فوق مساحة من الأرض تمتد أفقياً . ويمكن لشخص واحد في جانب من الصورة أن يشكل حرف L مع الأرض المنبسطة .

لوحة الموسيقيين الثلاثة ..للفنان بابلو بيكاسو
من أمثلة الوحدة في العمل الفني
ولابد لنا من أن نميز هنا بين الشكل والكتلة ، فنحن غالباً ما نخلط بينهما . فالشكل يمثل المضمون الأساسي المراد التعبير عنه بالرسم أما الكتلة فهي تعنى صلابة الأشكال وتميزها عما يحيط بها ، وإذا كانت الخطوط والأشكال تسود التكوين بما تحمله من قيم جمالية ونفسية ، فإن الكتلة تستحوذ على الانتباه بما لها من ثقل ، وتزداد الكتلة قوة إذا ما انفصلت عن الخلفية بالتباين معها في الضوء أو اللون . وهكذا تبرز الكتلة المظلمة على الأرضية المضيئة ، كما تبرز الكتلة المضيئة على الأرضية المظلمة . وهذه هي أبسط الطرائق لتأكيد الموضوع وعزله بعيداً عن الخلفية .


2.التوازن:
- مفهوم التوازن في التكوينات التشكيلية :-
التوازن هو الحالة التي تتعادل فيها القوى المتضادة ، فهو تعادل بين عناصر التشكيل سواء بين مناطق الضوء و الظل أو بين الأحجام ثقلاً وخفه أو بين المساحات سعة وضيقاً .
يتحقق التوازن في العمل الفني إذا تساوت أو تناسبت أجزاءه المرسومة . والتوازن أما أن يكون تقليدياً يشبه التوازن بين كفتي الميزان ، أو يكون غير تقليدي يتماثل مع توازن شخصين على طرفي الأرجوحة .فلكي لا يختل التوازن ، يقترب الشخص الكبير الحجم من نقطة ارتكازها ، فيما يبتعد الشخص الضئيل الحجم عنها .


أ*.قاعدة التماثل أو التناظر (السيمترية ) .
التوازن من خلال هذه القاعدة هو تناسب الأجزاء المرسومة حول النقطة المحورية ويسمى التكوين بهذه الطريقة متوازناً إذا كان مقسماً إلى أنصاف متعادلة في المظهر وعلى الرسام أن يرتب عناصر موضوعه بحيث على بعد متساوي أو متناسب من النقطة المحورية حيث تستقر العين وترتاح .
والتوازن بهذه الطريقة هو توازن محوري وهو يناسب النماذج الزخرفية والتكوينات ذات الصبغة الرسمية ، والتكوينات المثلثة المتبعة في تصميم صور الشخصيات ، تعطي انطباعا بالاستقرار والاتزان حيث يمثل تكويناً متزناً تكون الرأس في قمته والكتفان والذراعان قاعدة له .

ب*.قاعدة التعويض أو المعادلة .
توازن عناصر العمل بهذه الطريقة لا يعني بالضرورة أن تكون العناصر متشابهة في الحجم بل أن تكون متعادلة مع بعضها البعض ، فإذا كان لدينا شكلان أحدهما كبير في الحجم والآخر أصغر منه فإن الشكل الصغير الحجم يوضع على بعد كاف من النقطة المحورية فيما يقترب الشكل الكبير الحجم منها ، وهذا ما يشبه بالضبط تأرجح شخصان أحدهما سمين والآخر نحيف على الأرجوحة حيث يبتعد النحيف عن المركز كيلا يختل التوازن .
ويعتبر هذا الاتزان أكثر إمتاعا من التناظر لأنه غير متماثل وهو أكثر قوة وتأثيراً على النفس لأن اتزانه أقل وضوحاً وغير صريح .
ويسمى هذا النوع من التوازن ( توازن مستتر ) ولا يتفق فيه شكل أو لون العناصر البصرية الكائنة في أي من نصفي الصورة فنحس مثلاً بأن مساحة رمادية كبيرة قد توازنت مع أخرى صغيرة قائمة أو سوداء في الجانب الآخر.
والحكم على توافر التوازن أو عدم توافره يتطلب إحساسا فنياً مرهفاً والتوازن المستتر يمثل ما نراه في الأغلبية العظمى من الأعمال الفنية الحديث منها والقديم.

ج. قاعدة اللأتناظر .
وهي قاعدة منبثقة من القطاع الذهبي ، التي تفترض تقسيم مساحة اللوحة إلى ثلاثة أجزاء متساوية بالطول وثلاثة أخرى بالعرض بحيث نتجنب مركز اللوحة وتماثل الأجزاء من حولها .
والتوازن بهذه الطريقة ينتج عن تعادل القوى الديناميكية الكامنة في اتجاه خطوط التكوين الرأسية والأفقية وغالباً ما يتخذ التكوين شكل حرف L في أي من الاتجاهات .
- تطبيقات على التوازن ( الطبيعة الصامتة):-
رسم الطبيعة الصامتة ( الساكنة أو الميتة ) تعني رسم أو تصوير مجموعة من الأشياء الساكنة الهامدة كالثمار والأزهار والأسماك أو الطير الميت والأدوات المنزلية إلى غير ذلك وقد بلغت القمة على أيدي المصورين الهولنديين والفلمنكيين خلال القرن السابع عشر ، وعادة كان تصوير الطبيعة الساكنة في تلك الحقبة ينطوي على الرمز الغامض أما عن سرعة زوال الكائنات وحتمية الموت ، وأما تعبيراً عن آلام المسيح وعن البعث ويقدمها إلينا الفنان باستخدام مألوفات يومية تتضمن عادة معنى رمزياً ، أما في العصر الحديث فقد تغيرت نظرة الفنان إلى موضوعات الطبيعة الصامتة وأصبح يبحث من خلالها عن الجمال الأمثل في الأشكال المألوفة وبساطة التكوين .

3.الإيقاع:
الإيقاع هو تنظيم للفواصل الموجودة بين وحدات العمل الفني وقد يكون هذا التنظيم لفواصل بين الحجوم أو الألوان أو لترتيب درجاتها أو تنظيم لاتجاه عناصر العمل الفني ، فالأشكال والخطوط تقسم حيز العمل الفني إلى فواصل سطحية أو مكانيه كالطبلة التي تقسم الوقت الموسيقي إلى فواصل زمنية .
ونعني بالإيقاع في الصورة تكرار الكتل أو المساحات مكونه ( وحدات ) قد تكون متماثلة تماماً أو مختلفة ، متقاربة أو متباعدة . ويقع بين كل وحده وأخرى مسافات تعرف بالفترات .
- عناصر الإيقاع :-
للإيقاع عنصرين أساسيين يتبادلان أحدهما بعد الآخر على دفعات تتكرر كثيراً أو قليلاً ن وهذان العنصران هما :
-الوحدات : وهي العنصر الإيجابي .
-الفترات : وهي العنصر السلبي .
والإيقاع قد لا يتحقق في بعض الأحيان إلا عن طريق التكرار ولكن التوالي والتبادل وسيلتان لخلق تنغيم مركب إلى حد ما . فالتبادل بين وحدتين أو أكثر بطريقة ناجحة بدلاً من تكرار الوحدة الواحدة ، والتوالي في الألوان والفواصل يحققان تنغيماً أقوى تركيباً .
ويمكن إيضاح الإيقاع باستخدام المتتاليات التي تتعاقب فيها المتدرجة أو بمنحنيات خط يتميز بحرية الانسياب أو بتكرار منتظم ، أو بإشعاع أساسه تناثر الوحدات في اتجاه دائري ، أو بأشكال ذات حركات متآلفة .
- مراتب الإيقاع .
الإيقاع مهما كان شكله لا بد أن يقع في أي من المراتب التالية :-
-إيقاع رتيب : وهو ذلك الذي تتشابه في كل من الوحدات والفترات تشابهاً تاماً من جميع الأوجه.

-إيقاع غير رتيب : هو ذلك الذي تتشابه فيه جميع الوحدات مع بعضها كما تتشابه فيها جميع الفترات مع بعضها أيضا ، ولكن تختلف فيه الوحدات عن الفترات شكلا أو حجماً أو لوناً .

-الإيقاع الحر : هو ذلك الإيقاع الذي فيه يختلف شكل الوحدات عن بعضها اختلافا تاما كما تختلف فيها الفترات عن بعضها اختلافا تاماً أيضا.

-إيقاع متناقص : إذا تناقص حجم الوحدات تناقصاً تدريجياً مع ثبات حجم الفترات أو تناقص حجم الفترات تناقصاً تدريجياً مع ثبات حجم الوحدات أو تناقص حجم كل منهما تدريجياً معاً.

-إيقاع متزايد : إذا تزايد حجم الوحدات تزايداً تدريجياً مع ثبات حجم الفترات أو تزايد حجم كل منهما تدريجاً معاً.

-خلط مراتب الإيقاع : من النادر أن نجد في العمل الفني إيقاعاً من نوع واحد وتعدد مراتب الإيقاع هو أمر من شأنه أن يكسب الصورة تنويعاً أو تجديداً في الشكل .

كما أنه في اجتماع مرتبتين أو أكثر من مراتب الإيقاع معاً بجوار بعضهما ما يقوي من شأنهما معاً ويعمل على تأكيد وحدة العمل الفني وذلك بشرط أن يكون لأحد الإيقاعات سيادة على ما يجاوره .

4. الفضاء والعمق الفراغي:
تتحكم الأبعاد بعمل المصور ، فالتصوير هو تصميم على سطح ذي بعدي ( الطول والعرض ) وعلى الفنان أن يقرر الطريقة أو الطرق التي يستطيع بواسطتها الإيحاء بالبعد الثالث أو الكيفية التي تتداعى بها العناصر الشكلية في عمق الصورة ، وقد تعددت الأساليب التي التجأ إليها الفنانون لمعالجة هذه المسألة ولعل المنظور أهمها وأقدمها .
- مفهوم المنظور :
يعرف المنظور بأنه ( أبرز ما يظهر للعين من الأجسام الموجودة في الفضاء على سطح منبسط ) وهكذا يصبح المسطح المنبسط كنافذة تشاهد منها الأجسام المرسومة ، وقد تعددت تسميات المنظور وتصنيفاته منها : المنظور الجوي ، والمنظور الفراغي ، والتضاؤل النسبي، والتدرج والمنظور الخطي ، وهي في مجملها وسيلة رسم الأشكال الثلاثية الأبعاد على مسطح الصورة من خلال ترجمتها إلى مستويات متراجعة في أعماق الصورة وتبين أثر المسافات في الشكل المصور.
- العناصر التي تتحكم برسم المنظور .
أ*. تلاقي خطي نقطة الزوال أو التلاشي : وهي النقطة التي يلتقي فيها خطاء البصر وتقع على مستوى يحدد مدى النظر ويسمى خط الأفق أو نهاية الرؤية .
وهي تتحكم بالإحساس بالبعد الثالث من خلال إظهار مدى بعد الأجسام أو قربها وهي النقطة التي تلتقي فيها الخطوط المتوازنة التي تنفذ في عمق الصورة ، ويتخذ المصور لرسومه نقطة تلاشي واحدة أو أكثر ويتحكم بذلك موقع الرسام من المنظر ( مواجه – من الجانب) .
ب*. خط الأفق : هو المستوى الأفقي الذي تلتقي فيه الخطوط المتوازية والذي تقع عليه نقاط التلاشي .وله ثلاث مواقع من الصورة ( الثلث الأعلى ، الوسط ، الثلث الأسفل ) ويتحكم بذلك موقع الرسام من مستوى المنظر ( أعلى منه ، في مستواه ) ويعمل خط الأفق في الصورة كمرجع للدلالة على مدى بعد الأجسام أو قربها ، فكلما قرب الجسم من خط الأفق دل ذلك على بعده عنا .
ت*. تضاءل الأحجام : يساعد تضاءل الأحجام على إحساس الفرد بالعمق الفراغي والبعد الثالث فالأحجام الظاهرية للأجسام تختلف وفقاً لبعدها عن العين فتقل كلما بعدت عن العين وتكبر كلما قربت منها.
وهذا التناقض لأطوال الأجسام يزيد من قدرتنا على الإحساس بالعمق فإذا تصادف وشاهدنا جسماً وقد بدأ طوله الظاهري أقل من طوله الحقيقي فإننا نفسر ذلك بأن المسافة بيننا وبينه قد اتسعت وكلما نقص طوله الظاهري ارتبط هذا النقص بزيادة المسافة أي دل ذلك على زيادة الإحساس بالعمق الفراغي .
- درجة الحدة
يؤثر عمق الميدان في قدرة الفرد على الإحساس بالعمق الفراغي فالعين حين تنظر إلى الأجسام القريبة تراه اشد وضوحا واكثر حدة من تلك البعيدة وبذلك يكون الاختلاف بين درجة حدة كل من الأجسام القريبة والبعيدة تأثير على الإحساس بالعمق الفراغي.
- درجة الوضوح : من المعتاد حين النظر إلى المناظر الطبيعية أن نجد اختلافا بين مدى وضوح الأجسام القريبة عن تلك البعيدة جدا والتي نجد لونها في الطبيعة مائلا إلى البياض مع الزرقة نتيجة للفاصل الهوائي بينها وبين العين ويرجع ذلك إلى تكاثر ذرات الأتربة بالجو ويرجع إلى ذرات بخار الماء العالقة بالجو. ولهذه الدلالة مثيل في كافة الأعمال الفنية التشكيلة إذ تبدو الأجسام الأقرب اكثر وضوحا وتكون ألوانها اكثر تشبعا عن البعيدة التي تميل إلى البياض المائل إلى الزرقة. وتعرف هذه الظاهرة باسم المنظور الهوائي (أو المنظور الفراغي أو اللوني ).
- تطبيقات على رسم المنظور : المناظر الطبيعية .
إن تطبيق نظرية المنظور يشمل كل ما يقع عليه نظرنا في الحياة من مناظر طبيعية بما فيها من إنسان وحيوان ونبات وجماد ، ومنها أنواع المناظر والمباني والعمارة الخارجية والداخلية وتصميم قطع الأثاث وغيرها...
ومن أهم استعمالات المنظور رسم المناظر الطبيعية العادية وتصميمات العمارة المنظرية. فالمنظر الذي نرسمه من الطبيعة نتقيد به دائما بشكله الذي يحدده أسلوب إنشاء المنظور العادي. وهنا يجب أن نعين شكل التكوين العام بالخطوط الرئيسية التي يحدد الإطار العام للتكوين المنظري على أساس تحديد خط مستوى النظر و ومستوى الرؤية ونقاط الزوال بما يتناسب مع شكل التكوين الذي نرسمه من نقطة مناسبة للحصول على تكوين متناسق ومتوازن.
وهناك قواعد للرؤية يجب أن نراعيهما أولهما أن الخطين المتوازيين يتقاربا كلما بعدا عن الرائي حتى يتلاقيا في مالا نهاية. وثاني هذه القواعد أن المسافات المتساوية تظهر اقصر كلما بعدت عن الرائي. وثالث قواعد الرؤية هو أن الأجسام المتساوية تبدو اقل حجما كلما زاد بعدا عن الرائي. كذلك يمكن أن نرى التفاصيل اكثر وضوحا كلما قربت منا الأشياء. وهذا إذ أن الأجزاء البعيدة تصغر حجما وتقل وضوحا. كذلك اللون يبدو داكنا وزاهيا كلما اقتربت منا ويبدو باهتنا كلما بعد عنا. والنسيج والملمس أو تفاصيل الأشياء تظهر بوضوح في الأشياء القريبة ويقل وضوحها كلما ابتعدت.
وخلاصة القول أن الأشياء كلما بعدت قلت حجما وبهتت لونا وقلت تفصيلا. فإذا رسمنا منظرا طبيعيا لواد محاط ببعض التلال الصخرية مثلا يجب علينا أن نلاحظ دائما أن الصخور البعيدة تكون خطوطها ارفع واقل وضوحا وابسط تفاصيلا، وإذا أردنا تضليلها أو تلوينها فتكون الألوان في الأجزاء البعيدة ودرجة التضليل باهتة بالنسبة للأجزاء القريبة التي يجب أن تحدد فيها التفاصيل التي تظهرها الخطوط القوية ودرجات الظلال والنور المتباينة، والألوان الزاهية القوية بما يبرزها في المقدمة ويظهر العمق بالصورة وكذلك الأعشاب والأشجار والنباتات فتبدو واضحة في المقدمة وكلما بعدنا تكون الخطوط المميزة لها اقصر وتبدو بشكل باهت أو تظهر بعض النقاط للدلالة عليها إلى أن تنعدم.
5 . السيادة والنقطة المحورية :
تتطلب وحدة الشكل في التكوينات الفنية أن تسود خطوط ذات طبيعة معينة أو اتجاه معين أو مساحات ذات شكل خاص أو ملمس معين أو حجم أو لون معين ، وذلك لكي يكون في التكوين الفني جزء ينال أولوية لفت النظر إليه عما عداه ، وأتفق على تسمية هذا الجزء بأسم( مركز السيادة) أو ( النقطة المحورية ) .
ومركز السيادة في الصورة – مهما كانت طبيعته – هو النواة التي تبنى حولها الصورة وليس من المستحب إطلاقا أن يكون بها مركزان يتصارعان في لفت النظر إليهما ، ففي ذلك ما يعمل على تقسيم مشاعر الرائي وزوغان العين في مجالات بصرية متعددة وبذلك تتحطم وحدة الشكل ووحدة العمل الفني .
وقد شبه الناقد الإنجليزي ( جون راسكين ) النقطة المحورية في اللوحة بالمقطع الرئيسي في خطاب هام – فهي تستحوذ على الاهتمام فيما الأجزاء الباقية أقل أهمية . لذلك لابد أن تكون هي أول ما يلفت النظر في الصورة أي جذب عين الناظر إلى داخل اللوحة وليس بعيداً عنها وعلى الرسام أن يجتهد دائماً كي يرتب عناصر موضوعه باتجاه النقطة المحورية من حيث جعل الخطوط الأساسية تتجه إلى عمق اللوحة – وأغلب اللوحات الشهيرة ( سواء كانت كلاسيكية أو حديثة ) تتضمن نقطاً محورية .
1 . كيفية تحقيق السيادة في العمل الفني .
هناك وسائل متعددة يمكن بواسطتها أن نقوي مركز السيادة منها :
أ*. الخطوط المرتدة : بمعنى أن تتجه أهم الخطوط إلى مركز السيادة : وأشهر الأعمال التي أتبعت هذا المبدأ . لوحة ( العشاء الأخير ) ليوناردو دافنشي .
ب*. السيادة عن طريق التباين : ولها عدة أوجه منها :
- التباين في اللون : أي أن نميز مركز السيادة عن بقية أجزاء اللوحة بلون مختلف في الكنه أو درجة الإضاءة أو درجة التشبع ، وقد أشتهر بهذه الطريقة الفنان الهولندي ( رمبرانت ) الذي كان يعمل على زيادة نصوع مركز السيادة ويترك ما عداه قاتماً .
- التباين في الحدة : أي إظهار التفاصيل الدقيقة في مركز السيادة وإغفالها في بقية الأجزاء .
- التباين في العمق : كأن يسود الشكل القريب دون الأشكال البعيدة والعكس .
- التباين في الموضوع : أي عزل مركز السيادة عن بقية أجزاء الصورة .
- التباين في الملمس: كأن تبرز المساحة الملساء ضمن المحيط الخشن والعكس.
- التباين في المركز : أي أن يسود الجسم المتحرك إذا تواجد ضمن مجموعه ساكنه والعكس أيضاء.
- التباين في الخطوط والأشكال : كبروز الدائرة ضمن مجموعة مربعات أو مستطيل ضمن مجموعة دوائر . والخط الأفقي يسود مجموعة من الخطوط الرأسية .
ج. السيادة عن طريق توحيد اتجاه النظر .
بمعنى أن يصبح مركز السيادة البؤرية التي يتجه إليها بصر الجماعة وفي ذلك دافع للمشاهد كي يوجه نظرة إلى النقطة التي يتجه إليها نظر الجميع .
وخلاصة القول أن السيادة تتحقق عن طريق الاختلاف بين خصائص الموضوع السائد والموضوعات الأخرى المجاورة مهما كان نوع هذا الاختلاف .
2. مكان مركز السيادة داخل حدود الصورة .
جرت العادة ومن خلال أعمال أشهر الفنانين أن تقع النقطة المحورية في أحد المواقع التالية :
أ*. محور 1 على 2 : بمعنى أن يخصص منتصف الصورة كمكان للشرف كي يشغله الموضوع الرئيسي كالقديسين والأبطال وذوي الشأن وتخصص بقية الأماكن للأقل أهمية .
ب*. تقاطع محور 1على 3 : بمعنى أن تقسم اللوحة إلى ثلاث أجزاء متساوية بالطول والعرض وتكون النقطة المحورية في إحدى النقاط الأربعة الناتجة عن هذا التقاطع .
ت*. تقاطع محاور 3على 8 : أي تقسم مساحة الصورة إلى ثمانية أقسام وهمية طولاً وعرضاً على أن يكون مركز السيادة في أحد الأماكن الأربعة لتقاطع هذه المحاور .
ث*. كثير من الفنانين يلجئ إلى قاعدة القطاع الذهبي ( 1.618على 1 ) لتحديد مركز السيادة .

دمتم بود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة